أم أبانوب: نعيش كالأموات بعده.. وأبو مريم: أوصتنى بأمها قبل وفاتها بساعات

أم أبانوب: نعيش كالأموات بعده.. وأبو مريم: أوصتنى بأمها قبل وفاتها بساعات

شوارعهم تحتفى بهم وحجراتهم وأشياؤهم كأنها تنتظرهم وقلوب أمهاتهم مازالت تنزف ألمًا عليهم، على الرغم من مرور أكثر من عام مازالت أمهات شهداء الثورة لا يستطعن التغلب على أحزانهن ويأتى أى عيد ثقيلا ليذكرهم بالأحباب الذين فقدوهم غدرا دون ذنب ولم تبرد نار قلوبهم عليهم بعد بل يتعمق الجرح أكثر وأكثر فى ظل غياب القصاص العادل من قتلة أبنائهم.

فى حى الزاوية الحمراء، وفى الطريق لشارع طنطا، حيث يسكن الشهيد أبانوب عوض الله (18 عامًا)، يحيط الصخب وتدب الحياة فى الشوارع المحيطة التى تمتلئ بالأضواء والحركة كعادتها من كل عام فى هذا الوقت حيث تتسارع الأمهات بصحبة أبنائهن لشراء هدايا عيد الأم من المحال التى تعج بها تلك المنطقة الشعبية التى استعدت أيضا لأعياد شم النسيم بعرض بضائع متنوعة يقبل عليها ساكنيها من المسيحيين لشراء مستلزماتهم من ملابس وغيرها استعدادا للعيد، ثم على عكس الشوارع المحيطة يبدأ الضوء فى الاختفاء تماما كباقى مظاهر الحياة الآخرى فى هذا الشارع الذى تزينه صورة مكبرة لأبانوب الشهير بـ"جرجس " كتب عليها "سلام يا أغلى شهيد" وكأن الشارع نفسه يسيطر عليه جلال الحزن والحداد.

تروى والدة أبانوب ظروف استشهاده وهى ممسكة بصورته: فى يوم جمعة الغضب وأثناء مشاهدة التلفزيون استأذن فى الخروج، ولم أكن أعلم أن هناك اشتباكات تدور فى محيط قسم الزاوية الحمراء، ثم تفاجأت بعدها بمن يبلغني أنه أصيب عند القسم وتم نقله لمستشفى السيد جلال.

تحاول استجماع قواها لتصف المشهد عندما شاهدته مصاب وصعوبة إصابته موضحة أن الرصاصة اخترقت رأسه لتخرج من الجهة الأخرى ومعها بقايا من مخه، وعلمت أنه كان يقوم وصديقه أحمد بنقل المصابين من أمام قسم الزاوية إلى مستشفى السيد جلال من خلال موتوسيكل صديقه، وفى إحدى تلك المرات أثناء انحنائه لحمل أحد المصابين أصيب فسارع أصدقاؤه بنقله للمستشفى مشيرة إلى أنها كانت تأمل أن يعود معها حيث كانت تظن أنها إصابة بسيطة إلا أنه توفى فى الخامسة من صباح اليوم التالى.

أضافت "مكنش ليه فى أى حاجة ولا كان رايح عشان يهجم على القسم زى ما هم بيقولوا عليهم بلطجية " مؤكدة أنه كان يدرس فى الصف الثانى من دبلوم التجارة والجميع يشهد بحسن خلقه وسلوكه".

على الرغم من أن لديها بنتان متزوجتين وفادى (9 سنوات) أصغر الأبناء إلا أن أبانوب كان من يضيء حياتهم تتابع، بألم " بعد أبانوب ما راح أنا ووالده أموات على الدنيا ولولا أخوه الصغير هو من يصبرنا على الحياة حتى لا نتركه وحيدا ونربيه مثلما ربينا أبانوب".

وتستكمل باكية " وحشنى قوى ومهما كان باقى أولادى محدش فيهم يعوضنى عنه .. لما كنت ببقى تعبانة هو اللى كان بيفطرنى وكان بيساعدنى فى الشقة ومكنش بينكسف من أصحابه ويقول أنا بساعد ماما مش بعمل حاجة غلط ومش هسيبك يا ماما.. من ساعة مبقاش معايا أنا مبقتش عارفة أعمل حاجة.. نفسي ييجى لى فى المنام وأشوفه ولو عملت حاجة هو زعلان منى فيها أقوله يسامحنى ..غصب عنى لأنى مش شايفاه جنبي.

فى حجرة أبانوب.. أشياؤه مطوية فى دولاب خاص كأنها تنتظره لم تقدر والدته على فتح هذا الدولاب منذ وفاته ورفضت أن تطلع أى شخص عليه فقط تحتفظ بشهادات التكريم والصور الخاصة به تتصفحها دائما علها تعوضها عن عدم وجوده معها.

أكدت أنها فخورة بما فعله ابنها إلا أنها حزينة أنه لم يرجع إليها فى ظل عدم تحقيق القصاص: " هو أنقذ ناس كتيرة رجعت لأهاليها بس هو مرجعش ..الناس اللى أهاليهم عايزاهم وهتموت عليهم ويتمنوا التراب اللى بيمشوا عليه للأسف مرجعوش ..ياريت نلاقى حاجة تهدينا احنا داخلين على تانى سنة ومفيش حاجة غير اللى احنا بنسمعه أنهم بلطجية رايحين يولعوا فى الأقسام ويخربوا وده مش حقيقي احنا عمرنا مدخلنا قسم " معربة عن ألمها الشديد من تلك الاتهامات التى توجه إلى الشهداء لتشويه صورتهم أمام الجميع وتضييع حقوقهم .

عن ذكرياتها معه فى عيد الأم تقول أنه كان يحب المرح وكان دائما ما يقبلها ويقول لها كل سنة وانتى طيبة يا ماما حتى لو كان لا يملك نقود كافية لشراء هدية كان يقولها معتذرا " معلش أنا مش قادر أجيب لك هدية بس كل سنة وانتى طيبة " مؤكدة أن وجوده فى حياتها كان أغلى هدية تكفيها.

"بوابة الأهرام" تلتقي أسرة الشهيدة مريم مكرم

على بعد شوارع قليلة وتحديدًا فى شارع العروبة هناك بيت ترى من شرفته بوضوح قسم الزاوية الحمراء القديم حيث كانت تسكن الشهيدة مريم مكرم نظير (16 عامًا) فتاة فى عمر الزهور الفتاة الوحيدة على ولدين فكانت دلوعة أبيها وحبيبة أمها المقربة منها فى ظل انشغال أبيها بالسفر دائما لظروف عمله تروى والدتها فى ألم أن مريم صعدت لسطح منزلها يوم جمعة الغضب لتصور بهاتفها المحمول الاشتباكات التى كانت تدور فى محيط قسم الزاوية لافتة إلى أنها كانت قلقة عليها بشدة وطلبت منها النزول إلا أن مريم قالت لها "نفسي أموت شهيدة" فصعدت لتكون بجوارها فأصابتها رصاصة فى الوجه وسقطت بجوارها فى بركة من الدماء فاستنجدت بأخيها ووالدها اللذين صعدا مسرعين لنقلها للمستشفى حيث توفيت فى اليوم التالى بعد ساعات من إجرائها لعملية جراحية .

أضافت بألم " كانت مالية علىّ البيت.. مكانتش بتبطل هزار وضحك و كانت بتساعدنى فى كل حاجة وكنا بننزل مع بعض نشترى كل حاجة وكنا بنقعد نحكى مع بعض قبل ما تذاكر وكانت شاطرة فى المدرسة طول 16 سنة مسبتنيش فيهم يوم واحد.. لما مريم راحت فقدت أحلى فى الدنيا واللى بيحكوا ويكلموا على الفلوس ولا فلوس الدنيا تعوضنى ضفرها بس هم مش هيحسوا إلا لو أخدوا عيل من عيالهم كل همهم أهالى الشهداء ياخدوا كام".

أضافت بأسي "محدش حاسس بالوجع اللى فينا على أولادنا جهاز مريم قدامى زى ما هو وحاجتها وكتبها كفاية لما بشوف زمايلها الصبح وهم رايحين المدرسة بتوجع أكتر خاصة أن مدرستها قريبة منى ..كانت نوارة البيت الشقة من غيرها سجن .. بقيت وحيدة فى الدنيا من غيرها .. وكان قبل يوم عيد الأم بأسبوع أو شهر كانت تحوش من فلوسها عشان تجيب لى هدية عيد الأم ..حسبنا الله ونعم الوكيل .. مفيش حد لحد دلوقتى أخد حكم بيطلعوا واحد ورا واحد براءة ليه".

أضافت بحزن "أنا زى أى أم نفسي بنتى تبقى فى حضنى وكنت عاوزة أفرح بيها وأشوفها عروسة " لافتة إلى أن حفل خطبتها كان مقررا أن يتم فى شم النسيم المقبل عقب انتهاء مريم من أداء امتحاناتها".

تحولت حجرة مريم إلى نصب تذكارى لها، فأشياؤها فى كل مكان وصورها تغطى الحائط وباقى أرجاء المنزل الذى شهد مرحها وطفولها وجهاز عرسها كما هو كأنه ينتظرها تتركه والدتها ليذكرها بذكرياتها مع ابنتها وهما يختاران كل قطعة معًا.

والد مريم كشف لنا أنها كانت تمزح معه كعادتها دائما إلا أنها فى يوم وفاتها قبل استشهادها بساعات كانا يجلسان معا وكانت جادة معه على غير عادتها وهى توصيه خيرا بوالدتها وطلبت منه أن يقيم لها حفل خطبتها فى أحد النوادى، وأنه عندما طلبت منه الصعود لسطح المنزل لم يمانع لأنه لم يتوقع أن يحدث تبادل لإطلاق النار وأن تهاجم الشرطة المدنيين الذين من المفترض أن تحميهم لافتا إلى أن شهداء 25 يناير كانوا عزل لم يكن لديهم أى سلاح متسائلا بألم عن الخطأ الذى ارتكبته ابنته، ليطلق عليها الرصاص وهل قيامها بتصوير ما يحدث بهاتفها جريمة تستحق عليها تلك العقوبة ؟.

أضاف والد مريم متسائلا بأسي "النهاردة معظم اللى ضربوا أولادنا أخدوا براءة .. مين اللى موت أولادنا ؟ نفسنا حد يجاوب.. كل حاجة متصوره صوت وصورة وناس مضروبة.. مبارك والعادلى حكمهم 2 يونيو هياخدوا براءة.. هم كمان هل كان الخطأ انهم قبضوا على الضباط بدل ما يقبضوا علينا.. يمكن كان المفروض إنهم يقبضوا علينا احنا لأن اولادنا دخلت فى مظاهرات عشان تنقذ البلد من فساد 30 سنة ؟ لو كان الرصاص من الشرطة فالاختيار من الله وأولادنا ربنا كرمها قبل ما يكرمها الجيش والشعب" معربا عن عزائه لأهالى شهداء الثورة من المدنيين والشرطة والعسكريين.