شجعوا صغار النفوس

عياد… شاب في الرابعة عشر من عمره ..يدرس بالمرحلة الإعدادية..له اهتمامات كثيرة بنواحي متعددة، يهتم بالانشطة الرياضية بدرجة أكبر من الناحية الدراسية.. الأمر الذي أثر سلباً على درجاته في الاختبارات الشهرية التي كانت تعقدها مدرسته .
أما عائلة عياد فهي من العائلات البسيطة ،فوالده عم بسيط الرجل الطيب ذو الابتسامة الهادئة ،وأمه من الأمهات التقية و التي عرف عنها محبتها للخدمة و الكنيسة.

كم كان عياد متعسر الفهم في المدرسة ولا سيما مع كثرة عدد الطلاب في الفصل الواحد، الأمر الذي استلزم احتياج عياد لدرس إضافي بعد المدرسة..

ولكن من أين يأتي عياد بثمن درس خصوصي، ووالده عم بسيط يكاد يستطيع أن يسدد الحاجات الأساسية لبيته المتواضع ،ومع تلك الظروف الصعبة كان تمسك هذه الأسرة البسيطة بالكنيسة أمراً محبوباً..وكم كان يكثر ترددهم على كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا،وكان عياد شاباً مواظباً على حضور اجتماع القسم الإعدادي يوم الجمعة من كل أسبوع .

وفي إحدى الاجتماعات أتى إليه خادم الأسرة وعرض على عياد خدمته

بأن يعطيه درساً خاصاً مجاناً،إلا أن عياد تحرج وقال للخادم الوديع : أشكرك يا أستاذ ن….وهنا قاطعه الخادم قائلاً لا تشكرني يا عياد ..أنظر لما قاله يسوع لتلاميذه ..مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا….لذا هل يناسبك يوم الجمعة بعد الخدمة؟ فأجابه عياد: بالطبع يا أستاذ.. ، فقال له الخادم : إذن لقائنا الجمعة القادمة في الاجتماع ،ثم الدرس.

اليوم الجمعة…… حضر الخادم القداس، وتناول من الأسرار المقدسة مع مخدوميه ،وقام بإلقاء الدرس ثم اتجه بعد ذلك هو وعياد للمنزل ليبدأ الشرح.

و في المنزل كانت أم عياد في انتظار ابنها مع الخادم المبارك المحبوب ،ودق عياد الباب لتفتح أم عياد الباب وسلمت على الخادم ورحبت به ترحيباً مصرياً أصيلاً،وقالت له بلهجة الطيبة: ربنا يخليك يا أستاذ ويباركك ويحافظ عليك ويسترها معاك ويجعل لك في كل خطوة سلامة،وينجيك ..ربنا يعوضك و… وخادمنا المحبوب يبتسم لما تقوله الأم الطيبة ،وخرج عم بسيط من حجرته المتواضعة ممسكاً بيديه جزء من قربانة الحمل ليعطي الخادم المحبوب جزءاً منها وهو يدعو له ويقول ربنا يعوضك يا أستاذ على تعب محبتك ،يارب نعيش ونشوفك بتخدم شعب ورعية ،فقال له الخادم ربنا يحافظ عليك يا عم بسيط ويبارك حياتكم

وهنا التفت الخادم لأم عياد وقال لها بابتسامة فين الشاي يا ماما؟ فردت الأم حالاً يا أستاذ..وتذهب الأم لتعد أكواب الشاي وهي تسأل زوجها تشرب شاي يا بابا؟ فيجيبها عم بسيط يبقى ربنا يعوضك.

ويبدأ الخادم في إلقاء الدرس على عياد باذلاً قصارى جهده معه حتى تصل المعلومة لعياد ليستعبها ،فتارةً تجد الخادم كالراوي الذي يروي الأرض، وتارةً تجده كالراوي الذي يروي رواية على مسمع عياد،أما عياد فكان أشبه بشهريار ،فالرواية تروى وعياد يستغرق نوماً ،الأمر الذي أجهد الخادم جهداً ليس بقليل،ومع ذلك لا يزال الخادم يبذر ويروي ويفلح في أرض عياد..عسى أن يحصد ثمراً يوم الحصاد ،و الذي قرر الخادم أن يكون في نهاية الشهر.

يوم الحصاد..قام الخادم بتحضير امتحان كمقياس لمدى تقدم عياد ،عسى أن يحصد ثمراً.

ولم يغفل الخادم أن يتقبل الثمر الذي سوف يأتي به عياد،ولم يكن الخادم متعشماً في ثمر مائة أو ستون!! لكن الخادم قال في نفسه حتى ولو أتى عياد بثلاثين فينبغي أن أقبله فالله يفرح بالثمر المائة والثمر الستون ،وحتى الثمر الثلاثون يعتبره ثمراً حلواً وله مذاق.

ويضع الخادم ورقة امتحان أمام عياد وهو يقول له قدم ثمرك يا عياد، ويمسك عياد الورقة والتي تضمنت عشرون سؤالاً،ويبدأ عياد في الإجابة،ويمسك جبهته بيده ليعصر ذهنه كما ولو كان يعصر الليمون ولكنه ليمون من النوع البنزهير الأخضر،فلا من ماء فيه يمكن أن يروي به تلك الورقة … والنتيجة لا محصول ولا حصاد ويكتب الخادم صفر من عشرين !!!!!!!!!!!! !!!!!!!!

و يعيد الخادم على عياد نفس الرواية واضعاً في نفسه أن يرويها بطريقة مختلفة.

ربما طريقة الري بالغمر لم تكن صالحة مع أرض عياد ،فقرر أن يرويها مرةً أخرى بالتنقيط …وكم تستغرق هذه الطريقة من وقت!!
ويعقد الخادم امتحاناً أخر لعياد، وعشرون سؤالاً آخرين.. وعياد يقدح زناد فكره ………… و النتيجة صفر أخر من عشرين فوق الصفر السابق !!
هنا تغلب الطبع البشري على الخادم الوديع ،فاضجر الخادم وتأفف أمام الصفر الجديد ،و أمسك الورقة بكلتا يديه يتأمل الدمار الذي أصابها من الأخطاء .ويفغر الخادم فاه كما ولو كان يتأمل الدمار الذي أصاب مبنى البنتاجون، فأقطب الخادم حاجبيه يأساً من عياد، وقال له بنبرة حادة لم يعتدها من قبل .. شوف يا ابني أنت مش نافع..وهنا قال عياد لخادمه :لماذا تيئسني هكذا وتحبطني؟فأجابه الخادم قائلاً: يا ابني إن الفلاح حين يتعب في أرضه يتعشم أن يحصد منها شيئاً يفرح قلبه ،أما حين يتعب ولا يجد أي شيء قد أثمر، فكم يتضايق من هذه الأرض!!

فقال عياد نعم يا أستاذ .. لكن لماذا تثبط من همتي هكذا ؟..هل لاحظت أنني في المرة الأولى أعطيتني صفر من عشرين وكنت مخطئاً عشرون خطأ؟ أما في المرة الثانية فأعطيتني صفراً وأنا مخطئ أربعة عشر خطأ فقط .هنا تحرج الخادم وقال في نفسه… نعم أخطأت في حق هذا الابن إذ لم أتأن عليه،فكم كان ينبغي أن أتأن عليه كما قال القديس بولس الرسول شجعوا صغار النفوس، اسندوا الضعفاء، تأنوا على الجميع،فقال الخادم في نفسه عياد على حق فهو يتقدم ،وان كان تقدمه بطيئاً،لكن ينبغي علي أن أمتدح هذا التقدم البسيط وأشجعه

هذه الواقعة حدثت بالفعل ،وقد كتبتها هنا بتصرف عارضاً إياها في قالب قصصي وحدثت حوالي عام 1960 حين كان الأستاذ نظير جيد (قداسة البابا شنودة الثالث )هو الخادم المذكور في هذه القصة،ويقول قداسة البابا شنودة عن هذه الواقعة أنه كم من سنوات مضت على هذه الواقعة، إلا أنه لم ينساها إذ يقول تعلمت درساً أن أشجع صغار النفوس وأسند الضعفاء . وقال قداسة البابا بأسلوبه المرح عن تلك الواقعةالواد جايب صفر لكنه شاطر في الوعظ)

صديقي ما أجمل أن نتأن على من هم صغار،ما أجمل أن تشجع الآخرين بكلمات التشجيع.
نعم أن الله يفرح بالمنتصرين والأقوياء، ولكنه هو أيضاً اله الضعفاء والصغار!!
إلهنا هو اله القديس العظيم قس القلالي ايسيذورس، كما هو أيضاً اله موسى الضعيف!!

فكم كان الأنبا ايسيذورس عظيماً في تأنيه على موسى حين أتى إليه إحدى عشر مرة في ليلة واحدة ،لم ييأس منه الأنبا ايسيذورس فكان يثق في أن الله الذي يعمل في نفوس الأطهار القديسين ،يعمل أيضاً في نفوس الصغار الضعفاء ،وبتأني الأنبا ايسيذورس على موسى ومساندته لضعفه ،صار موسى هذا.. القديس العظيم القوي الأنبا موسى الأسود.. الأبيض بطهارته، ما أجمل تسمية الكنيسة لهذا القديس بالقوي موسى الأسود.الذي صار أحد أعمدة الرهبنة في جيله.!
نعم فالضعيف صار قوياً، والأسود صار أبيضاً بطهارته ‍‍!!
مسيحنا هو اله القديس البتول يوحنا الحبيب الذي كان يسند رأسه على صدره، كما هو أيضاً اله المرأة الزانية التي أتت لتضع رأسها عند قدميه باكية !!،لم يوبخها المسيح ولم ينتهرها كما فكر سمعان الفريسي ،فنجد أن المسيح لم يسرع ليطفئ فتيلتها المدخنة، بل امتدح ما فعلته، وأظهر أمام الجميع محبتها التي فاقت ثمن الناردين ، فنفخة حب هذه المرأة جعلت فتيلتها التي أوشكت على الانتهاء تشتعل مرة أخرى لتصير نوراً للعالم ويخبر في جميع الأمم بما فعلته تذكاراً لها!! > >
مسيحنا هو مسيح يوسف الصديق الحسن الصورة والحسن المنظر(تك 39:6) كما هو أيضاً مسيح العشار القصير زكا،الذي أعطاه اهتماماً خاصاً وقال له يا زكا أسرع وانزل …. وينزل زكا رئيس العشارين ليقبل المسيح ساند الضعفاء في بيته > >
فهل نحن أيضاً نتأن ونشجع ونمتدح النقاط البيضاء في الآخرين؟هل حين نرى أحداً صفحته كلها عبارة عن سواد مظلم، هل نذمه وننتهره ونظن أننا أفضل منه حالاً؟أم نمتدح ولو نقطة واحدة بيضاء في صفحته؟ فربما يكون تشجيعنا له علي نقطة واحدة بيضاء سبباً في جعل هذه الصفحة ناصعة البياض > >
قيل عن السيد المسيح أنه ذات مرة كان يسير مع تلاميذه بين الحقول يعلم ،وبينما هم سائرين إذ رأوا كلباً ميتاً منتفخاً منتناً،فسد التلاميذ أنفهم وأقطبوا عيونهم من بشاعة منظره ولم يطيقوا رؤية كلب ميت منتن هكذا،لكن نجد السيد المسيح لم ينظر للكلب نظرتهم التي نظروها ،بل قال لهم،(أن أسنانه بيضاء)!! > >
إلى هذا الحد ينظر لنا مخلصنا ليمتدح النقاط الحسنة البيضاء فينا ويغمض عينيه عن سوادنا المعتم؟إلى هذا الحد يتأن علينا ويشجعنا؟كم أنت حلو يا يسوع!!!!! > >
أعجبني أسلوب سيدة أمريكية من ولاية كاليفورنيا تدعى TONY كانت قد أتت لمصر في شهر أغسطس الماضي في خدمة المصريين لتعلم اللغة الإنجليزية،وكانت مهمتها هي تعليم النطق الصحيح للغةPRONOUNCIATION وكم كنا نضحك نحن المصريين على بعضنا البعض حين يكون هناك تدريب معين على نطق بعض الحروف ،أما TONYفكانت تسير بمنهج ..شجعوا صغار النفوس ..،كم كان أسلوباً راقياً مشجعاً وليس مثبطاً‍‍! > >
فكانت تتناول عبارات التشجيع لكل أحد فكانت تقول لمن تختبره good job،perfect ،excellent ولم تكن TONY منافقة في ذلك حيث استخدمت منهج تشجيع واحد، بعدة أساليب تعبير، كل على حسب إجادته للنطق الصحيح، وكم كان دورها إيجابيا عندما كانت تلقي بكلمة تشجيع من نوع GOOD JOB أو من نوع PERFECT حيث بعد أن تشجع تجدها تقول له GOOD JOB, BUT REPEAT IT AFTER ME AGAIN وكان يرددها مرة أخرى معها ليحصل في النهاية على تشجيع من نوع EXCELLENT > >
صديقي هناك سؤال يطرق باب فكري الآن : > >
هل أحياناً نسرع و نطفئ الفتيلة المدخنة أم نتأن عليها، ربما تشتعل مرة أخرى؟ > >
هل أحياناً نسرع لنقصف قصبة الغاب المرضوضة الخاوية ؟،أم نعصبها ونترفق بها لربما تستقيم مرة أخرى؟ > >
هل نشجع كل أحد ؟هل نسير على درب المخلص ،درب شجعوا صغار النفوس؟ > >
ليتنا نشجع ونساند الضعفاء وصلوا لأجلي أن أفعل مثلكم >

عضو ذهــــبي

فهل نحن أيضاً نتأن ونشجع ونمتدح النقاط البيضاء في الآخرين؟هل حين نرى أحداً صفحته كلها عبارة عن سواد مظلم، هل نذمه وننتهره ونظن أننا أفضل منه حالاً؟أم نمتدح ولو نقطة واحدة بيضاء في صفحته؟ فربما يكون تشجيعنا له علي نقطة واحدة بيضاء سبباً في جعل هذه الصفحة ناصعة البياض > >موضوع هايل يا كوتى ربنا يباركك